بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ
دلَّت الآيات الكريمة على عدم موت عيسى عليه السلام وعلى رفعه إلى الله سبحانه جسدًا وروحًا
ودلَّت أيضًا على نزوله إلى الأرض آخر الزمان بالإضافة إلى دلالة الأحاديث المتواترة على ذلك .
وإثبات نزوله عليه السلام يجب أن يكون من عقيدة المسلم ومنكر نزوله يكفر بذلك .
ومما جاء في القرآن من الآيات يدل على نزوله آخر الزمان إلى الأرض :
قوله تعالى:﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾
وفي رواية أخرى:"وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ"
وسياق الآيات تتحدث عن عيسى عليه السلام
فلذلك : الضمير في قوله "إنَّهُ" يعود على النبي عيسى
والمعنى : نزول عيسى عليه السلام شرط من أشراط الساعة
الدليل الآخر قوله:"ويكلم الناس في المهد وكهلًا ومن الصالحين"
توضيح للآية :
نقل الشيخ الهراس عن ابن جرير: أن عيسى – عليه السلام –
كلَّم الناس في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل
ثم قال: "وهذا الذي نقلناه عن ابن جرير هو قول عامة أهل التفسير
كلهم يفسرون الآية بذلك ،، ويجعلونها دليلا على نزول عيسى – عليه السلام –
وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه ،، فإن قوله سبحانه "وكهلًا"
معطوف على متعلق الظرف قبله، داخل معه في حكمه ،، والتقدير:
ويكلم الناس طفلًا في المهد ويكلمهم كهلًا، فإذا كان كلامه في حال الطفولة
وعقب الولادة مباشرة "آيـــة" فلابد أن المعطوف عليه وهو كلامه في حال الكهولة كذلك "آيـــة"
وإلا لم يحتج إلى التنصيص عليه؛ لأن الكلام من الكهل أمر مألوف معتاد فلا يحسن الإخبار به
لا سيما في "مقام البشارة" بل لابد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلًا سيكون آية
ككلامه طفلا بمعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل، ثم ينزل فيبقى في الأرض
إلى أن يكتهل ويكلم الناس كهلًا وقد ذهب جمهور المحدثين والمؤرخين إلى أنه عليه السلام
رُفِعَ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة -أي قبل سن الكهولة- .
ومما يدل على رفعه عليه السلام إلى الله تعالى جسدًا وروحًا وعلى عدم موته :
قوله تعالى:"إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي"
فدلالة اللغة هنا لا تقتضي الموت
لأنَّ :"إني متوفيك"هذا اللفظ يدل على الإستقبال
ولم يقل الله "إني توفيتك"ولم يقل أيضًا"توفاه الله"
وقال تعالى:"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينًا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا"
ولو أن المراد بالرفع "رفع روحه أو منزلته لا جسده" -كما يزعم المُشكِّكون-
لما حَسُنَ ذكر الرفع في مُقابِل نفي القتل والصلب،لأن الذي يناسب نفي القتل والصلب عنه
هو رفعه حيًا لا موته، وإلا لقال الله وما قتلوه وما صلبوه بل الله هو الذي توفاه أو قتله !!!
وعلى أن في إخباره عز وجل بأنَّه رفعه إليه، ما يشعر باختصاصه لعيسى بذلك
والذي يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حيًا بجسده وروحه؛لأن أرواح جميع الأنبياء
بل المؤمنين تُرفع إلى الله بعد الموت لا فرق بين عيسى وغيره فلا تظهر فيه الخصوصية برفع روحه فقط !
أما عن قوله تعالى : "....فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد"
فالوفاة في القرآن لها عدة أوجه :
١-وفاة الموت قال الله:"الله يتوفى الأنفس حين موتها"
٢-وفاة النوم قال الله:"وهو الذي يتوفاكم بالليل"
فالمعنى بالآية السابقة هو وفاة عيسى عليه السلام وفاة نوم لا موت
وكلمة "الوفاة"كما تطلق على الموت تطلق على النوم
أيضًا للآية تفسير آخر ، وهو معنى قوله تعالى:"فلما توفيتني"
هو:استوفيت وأنهيت نُبوَّتي
فمثلاً فلان اقترض من فلان ألف ريال ثم سدَّده خمسمائة فقط
ثم قابله شخص آخر فقال له: هل وفَّيت فلانًا دَيْنَه؟!
فالمقصود هل أنهيت الدَّيْن الذي عليك؟
جاء في القاموس المحيط ٣٩٣-٤
"والوفاة في اللغة من استيفاء الحق وافيًا أي كاملًا لا نقص فيه
وقال صاحب القاموس المحيط : "أوفى فلانًا حقه: أعطاه وافيًا،
كوفَّاه ووافاه فاستوفاه وتوفاه"
فمن هذه المعاني السابقة تُفسَّر الآية
فإن قال المُشكِّكون كيف ينزل والله أخبر بالقرآن عن محمد ﷺ أنه آخر الأنبياء ؟!
فنقول :
فإذا نزل عيسى عليه السلام آخر الزمان ينزل على دين محمد ﷺ
ولهذا كان المعنى:"توفيتني"أي أنهيت مُدَّة نبوَّتي
ومَنْ استدل على وفاته بقوله تعالى:﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾
فالجواب هو: أن عيسى عليه الصلاة والسلام ليس مخلدًا
فهو سيموت حين ورود أجله حتى ولو طال عمره .
والله جل جلاله أعلم.