بيان أنَّ ما استدرك به بعض الصحابة بعضًا في الرواية لا يُعدُّ تكذيبًا لهم

بيان أنَّ ما استدرك به بعض الصحابة بعضًا في الرواية لا يُعدُّ تكذيبًا لهم :
وكيف لا ! والصحابة يتفاوتون في روايتهم عن النبي ﷺ بين مكثر ومقل
يحضر بعضهم مجلسًا للرسول ﷺ يغيب عنه آخرون
فينفرد الحاضرون بما لم يسمعه المتخلفون، حتى يُبلِّغوه فيما بعد
عن البراء بن عازب رضي الله عنه:"ليس كلنا كان يسمع حديث النبيﷺ 
كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون
فيحدث الشاهد الغائب "رواه الحاكم 

- واستعمال كلمة "كَذَبَ" -للتخطئة لا للإتهام بالإختلاق- جاء استعمال الصحابة لها :

كقول ابن عباس رضي الله عنهما عن نوف البكالي:"كَذَبَ نوف"
عندما قال:صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل
وإنما موسى آخر - ونوف من الصالحين، ومقصود ابن عباس: اخطأ نوف .

لـمّا بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر مرفوعًا:
إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قالت:
إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ
وفي رواية قالت:"يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب،
ولكنه نسي أو اخطأ، إنما مر رسول الله على يهودية يُبكى عليها
فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب فى قبرها"

- كل ذلك وغيره الكثير، يدل على ثقة الصحابة بعضهم ببعض
ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق
وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة
المختارة من أهله الأولين .

وعلى هذا: فإذا ورد على لسان أحد من الصحابة نفى ما رواه نظيره
أو قوله في مثيله: كَذَبَ فلان …، أو نحو هذا من العبارات
فالمراد به: أنه أخطأ أو نسي ؛ لأن الكذب -على هذا النحو- عند العرب
هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا أو نسيانًا أو خطأ
ولكن الإثم يختص بالعامد كما جاء في الحديث:
"من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار "

- فشرط الكذب في هذا الحديث العَمْد ، فإنه قد قيَّده ﷺ
لكونه قد يكون عمدًا، وقد يكون سهوًا ، مع أن الإجماع والنصوص المشهورة
في الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي والغالط
فلو أطلق الرسول ﷺ الكذب لتوهم أنه يأثم الناسي أيضًا
 فقيَّده وكذلك الروايات المطلقة، فمحمولة على المُقيَّدة بالعمد .

- جاء في لسان العرب :
الكذب الخطأ، معناه "اخطأ قائل ذلك"
وسُمِّي كذبًا ؛ لأنه يشبهه ولأنه ضد الصواب
كما أنَّ الكذب ضد الصدق، وإن افترقا من حيث النية والقصد 

الترجمة